الغلو في الكتاب والسنة:
الغلوّ: مجاوزة الحدّ، والغلوّ في الدّين التّصلّب والتّشدّد فيه حتّى مجاوزة الحدّ.
وقيل: الغلوّ في الدّين الإفراط فيه كما أفرطت اليهود والنّصارى في عيسى، غلوّ اليهود في عيسى قولهم: ليس ولد رشدة، وغلوّ النّصارى قولهم: إنّه إله.
- أنواع الغلو:
يقسم بعض العلماء الغلو إلى نوعين رئيسيين، هما:
1- الغلو الاعتقادي.
2- الغلو العملي.
فالمراد بالغلو العملي ما كان متعلقاً بكليات الشريعة أو أمهات المسائل في الشريعة الإسلامية، والمراد بالغلو الاعتقادي ما كان متعلقاً بباب العقائد، فهو محصور في الجانب الاعتقادي.
وأمثلة الغلو الاعتقادي الكلي كثيرة، منها: الغلو في الأئمة وادعاء العصمة لهم.
ومنها الغلو في البراءة من المجتمع العاصي، كأن يعيش إنسان في مجتمع مظاهر بالفسق والعصيان فيغلو في التبرؤ من المجتمع، ويغلو في تطبيق قضية الولاء والبراء إلى حد تكفير أفراد هذا المجتمع واعتزالهم.
والغلو الكلي الاعتقادي أشد خطراً وأعظم ضرراً من الغلو العملي؛ لأن الغلو العملي مثل أن يقوم إنسان الليل ولا ينام، ويصوم النهار ولا يفطر أبداً، إلى غير ذلك من أنواع الغلو العملي، ومثل تحريم الطيبات على نفسه، وتحريم الظلال، وتحريم أكل اللحوم وهكذا، فهذا غلو عملي، وقد عالج النبي صلى الله عليه وآله وسلم صوراً من الغلو العملي التي حدثت في عصره، فمن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوها -أي: قالوا: هذه عبادة قليلة- فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) فانظر إلى الشدة مع المبتدع والغالي، فاعتبر مثل هذا غلواًً وخروجاً عن هديه وسنته صلى الله عليه وآله وسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه -أيضاً- قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لـزينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، تقوم الليل فإذا فترت وتعبت من كثرة الصلاة فإنها تتعلق بهذا الحبل وهي تصلي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد) فقوله: (ليصل أحدكم نشاطه) يعني: أن تصلي قائماً ما دمت نشطاً وقادراً على القيام، فإذا تعبت وفترت فارقد، أو اجلس. فهذا فيه الحث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق والتنطع فيها.
لكن الغلو في العقيدة أخطر وأشد من الغلو العملي، وفي كل شر؛ إذ الغلو الاعتقادي هو المؤدي إلى الانشقاقات، وسبب تفرق الأمة هو الغلو الاعتقادي، فالأمة ما افترقت إلا بسببه.
- أسباب الغلو في الدين:
1- كثرة البدع والعقائد الفاسدة، وما نتج عن ذلك من الافتراق والفرق والأهواء، والتنازع والخصومات في الدين.
2- الإعراض عن نهج السلف الصالح وجهله، أو التنكر له.
3- العلمنة الصريحة في أكثر بلاد المسلمين، والتي أدت إلى الإعراض عن شرع الله، وإلى الحكم بغير ما أنزل الله، وظهور الزندقة والتيارات الضالة، والتنكر للدين والفضيلة، مما أدى إلى:
4- شيوع الفساد، وظهور الفواحش والمنكرات، وحمايتها.
5- التعلق بالشعارات والمبادئ الهدامة والأفكار المستوردة.
6- وقوع أكثر المسلمين في التقصير في حق الله تعالى، وارتكابهم للذنوب والمعاصي، والمنكرات، وضعف مظاهر التقوى والورع والخشوع في حياة المسلمين اليوم.
7- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التقصير فيه في أكثر بلاد المسلمين.
8- التقليد والتعصب لفئة معينة أو لشخص ما.
- مظاهر الغلو في الدين:
لقد أفرز الغلو في الاعتقاد عن مظاهر وإفرازات كثيرة وخطيرة توزعت على هذه الفرقة أو تلك ، وسنشير هنا إلى أهم وأبرز هذه المظاهر :
1 ) : الغلو في التكفير .
2 ) : إلزام الناس بالأخذ بما يعتقدون من بدعة وفكر الضال .
3 ) : الاعتقاد الجازم أنهم هم أهل النجاة والفلاح .
- علاج الغلو:
1- أهمية الوضوح والشفافية والصراحة في طرح قضايا التكفير والعنف والغلو وأسبابها والاعتراف بوجودها وآثارها، ولا سيما بعد أن شاعت هذه الأمور عبر وسائل الإعلام والإنترنت ومجالس الناس الخاصة والعامة.
2- يجب عدم الخلط بين القضايا التي لها أصول شرعية وبين ما فيه مخالفة للشرع، فالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء ونحوها كلها أصول عقدية معتبرة شرعا بشروطها، فيجب بيان الخطأ في تفسيرها وفهمها، وعدم الخلط بينها وبين التكفير والعنف والإرهاب والغلو، ولا سيما في الخطاب الرسمي للدولة، وفي الخطاب الإعلامي الذي يمثلها.
3- كشف مواطن الإشكال واللبس والغموض في القضايا الحساسة، وإعلان الوجهة الشرعية فيها، وتأصيل ما لم يتم تأصيله شرعا
4- أهمية استقراء شبهات الغلاة ودعاويهم وتلبيساتهم أو الأمور الملتبسة عليهم، وتتبع مقالاتهم ومؤلفاتهم وسائر مزاعمهم والتعرف على رؤوسهم ومرجعياتهم، ثم الرد عليهم بالحجة والدليل والبرهان الشرعي والعقلي، والحوار الجاد مع المنظِّرين والمتبوعين منهم.
عدل سابقا من قبل mr/mostafa في الجمعة نوفمبر 06, 2009 1:39 pm عدل 1 مرات